تحدّاني

منذ بداية العام الدراسيّ، أصرّ طالب الصّفّ السّابع داني على أنه لا يستطيع إجراء محادثة باللغة العربية. كان يستخدم اللغة الأرمنية فقط للتحدث مع أسرته وأصدقائه ومعلّميه، لذا كان التواصل باللغة العربية صعبًا للغاية عليه علما" أنه لم يأخذ صف لغة عربية مطلقا" في السنة الماضية في مدرسته الأخرى بسبب ضعفه. عند مناقشة النصوص في الصّفّ، كان يظل صامتًا، أو يجيب باللغة الأرمنية كي يترجمها له أصدقاؤه. كان مقيّداً بشدّة بصعوبة اللغة لدرجة أنه ظلّ يحاول إقناعنا أنه لا يستطيع بناء جملة كاملة . خلال الامتحان الشفهي الأول، أُصيبَ بالذعر ولم يستطع الإجابة عن أسئلتي. في وقت لاحق خلال الحصّة، لاحظتُ عدم ارتياحه ووافقنا على التحدّث في وقت الفراغ.

             ناقشنا الصعوبات التي يواجهها في اللغة العربية، وكيف لم يستخدم اللغة كثيرًا خارج صفوف هذه المادة طوال حياته، كما استذكرنا رؤيتنا الصفية وحقيقة أننا إذا أردنا أن نكون مواطنين صالحين في مجتمعنا اللبناني، فلا يمكننا المضي بدون مهارات التواصل  في لغتنا الأم، وبالتالي، توصّل داني إلى أن هذا ليس عائقاً، بل تحدّياً هو جاهزٌ لمواجهته ليكون عضوًا فعّالاً في مجتمعه وليكون قادرًا على اتخاذ قرارات واعية و بنّاءة كما هو واضح في رؤية صفّنا التي وضعناها سويّاً في مطلع العام.

بعد حديثنا، اتفقنا حول كيفية استهداف الصعوبة التي يواجهها. سمّيناها "تحدّاني" و هو ما شجّع داني لأنها باتت فرصته لمحاربة هذه العوائق اللغوية و تنمية مهارات التواصل لديه. كان "تحدّاني" عبارة عن تحديات صغيرة تظهر أهمية اللغة و متعتها يأخذها إلى المنزل ويجمع لها مكافآت صغيرة. في المرة الأولى مثلاً ، كان عليه أن يقرأ فقرة صغيرة من قصة، في الثانية يخبرنا أخبار الأمس باللغة العربية، وبعد ذلك أخذ أغنية لفيروز للاستماع إليها قبل الصّفّ و مناقشتها معنا.

 مع مرور الوقت، بدأتُ ملاحظة شغفه ينمو و أصبح تقدّمه واضحاً.

خلال ورشة عمل عُقدت في المدرسة، قابلتُ أم داني. بدأنا نتحدث عنه بشكل عام حتى ذكرت مدى فخرها بتقدّم ابنها وشكرتني على عدم التخلي عنه. كانت المرة الأولى التي تسمعه يتحدث باللغة العربية الفصحى في المنزل.

 داني يحفّزني حقًا كل يوم لأنه دليل على أنه لا يوجد شيء مستحيل إذا اجتهدنا قليلًا. لم يكن التحدي له فقط، بل لي أيضا" لأنه كان يمثّل دوري في تشجيع صفّي على حبّ اللغة العربية. في الأسبوع الماضي، أجرينا امتحانًا شفهيًا، ويمكنني القول بكلّ فخر أن طلّابي بأكملهم نجحوا.

"تحدّاني" بالنسبة لي و لصفّي هو بمثابة لفتة للجميع على جمال لغتنا و ضرورة المحافظة عليها، لأنها لا تنحصر فقط في كتب القراءة، بل تتعدّاها الى حياتنا اليومية.

فاطمة شحرور

ثانوية ساهاكيان